Telegram Group & Telegram Channel
فإن من أعظم أبواب السكينة، وأجلِّ أسباب الطمأنينة: الرضا بحكمة الله، لا سيما في الفقد والمنع، حين تُغلق أبواب، وتُطوى صفحات، وتضيق الدنيا بما رحبت، فيرتفع صوت القرآن في قلب المؤمن: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا۟ بِمَآ ءَاتَىٰكُمْ﴾ [الحديد: 23].

■ عباد الله، إن التأمل في الواقع والتاريخ يُورِثُ المؤمنَ يقينا بأن الله لا يمنع عبده إلا ليعطيه، ولا يحرمه إلا ليُكرمه، ولا يُغلق بابا إلا ليفتح له أبوابا.
انظروا إلى سيرة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: حين حُرِم من دخول مكة في صلح الحديبية، وظن الصحابة أن هذا الصلح فيه ذلٌّ وانكسار، فإذا به فتحٌ مبين. قال تعالى:
﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًۭا﴾ [الفتح: 1].
قال ابن القيم: "كم في المنع من المنح، وفي البلاء من العطاء؛ ولكن القلوب الغافلة لا تُبصر". [الفوائد ص: 140].

وهذا يوسف عليه السلام: بيع عبدا، وأُلقي في غيابة الجب، وسُجن ظلما، حتى ظن الناس أن كل الأبواب أُغلقت عليه، فإذا به يخرج عزيزا لمصر، يُقال له: ﴿ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلْأَرْضِ﴾ [يوسف: 55].
فسبحان من جعل السجن طريقا إلى المُلك!
وقد حكى أحد الصالحين فقال: "كُنتُ أتمنى الزواج بفلانة، وسعيتُ إليها، فمنعني الله. فجزعت، ثم رزقني الله بعدها بامرأة كانت لي سكنا وعونا في الدين والدنيا، فحمدت الله أن لم يُجب دعائي يوم دعوت".
وكم من عبدٍ ظن أن الفقد نقمة، ثم بمرور الأيام، تبين له أنه أعظم نعمة.
قال الشاعر:
رُبَّ أمرٍ تَنامُ عَينُكَ عنه
وفي طيّاتِهِ نَجاةُ الحيَاةِ
فَلَو كُشِفَ الغيبُ للعبدِ يومًا
لاختارَ ما اختارَهُ مولاهُ

■ إخوة الإيمان، إن الاستعداد لقبول أقدار الله يبدأ من تنمية الإيمان بالقدر. وهو ركنٌ عظيم لا يكتمل إيمان العبد إلا به، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أن تؤمن بالقدر خيره وشره» [رواه مسلم: 8].
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "ما من قضاءٍ يمرّ بي إلا رأيتُ لله فيه نعمةً لا أستطيع عدّها، إمّا في رفعي أو تطهيري أو تنبيهي أو كفِّي عن الدنيا".
ثم بعد الإيمان، التركيز على العمل دون التعلق بالنتائج؛ فإنك مأمور بالسعي، لا بامتلاك الثمرة. قال تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ﴾ [النجم: 39].
وما عدا ذلك: فليس لك، فلا تَحزَن عليه.
واغرس في قلبك هذا اليقين:
أن ما عند الله خير مما نريد، وأننا لا نعلم، وهو يعلم، ولا نُدرك، وهو يُدبر، ولا نُحسن الاختيار، وهو الحكيم العليم.
قال ابن الجوزي: "واللهِ، لو كشف الله الغيب لعبده، لما اختار لنفسه إلا ما اختاره الله له".
دَعِ الأقدارَ تجري في أعِنَّتِها
ولا تَبِتْنَّ إلا خاليَ البالِ
ما بين غَمضةِ عينٍ وانتباهتِها
يُغيّرُ اللهُ من حالٍ إلى حالِ

■ يا عبد الله، إن منعك إنما هو لحكمة، وإن أعطاك فبفضله، فكن عبدا لله في الحالين، وارضَ بما قسمه الله لك، تكن أغنى الناس.

افتح قلبك لحياة إيمانية متزنة؛ ترى الخير في كل حال، ترى العطاء في المنع، والرحمة في البلاء، والتوفيق في الفقد؛ فإن الله أرحم بك من نفسك، وأعلم بحالك منك.

اللهم ارزقنا الرضا بقضائك، والتسليم لأمرك، وحسن الظن بك في كل حين.
اللهم اجعل قلوبنا مطمئنة بذكرك، راضية بحكمتك، ساكنة في قدرك.

هذا، وصلّوا وسلّموا على من علّمنا الرضا، وقدوة المحتسبين، محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ ۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم إنا نسألك قلبا راضيا بقضائك، شاكرا لنعمائك، صابرا على بلائك، مطمئنا بتدبيرك، لا يجزع في الشدة، ولا يبطر في الرخاء.

اللهم ارزقنا الإيمان بحكمتك، والرضا بقدرك، والتسليم لأمرك، والثقة بوعدك، وحسن الظن بك في كل حال.

اللهم اجعل فقدنا رحمة، ومنعك لنا منحة، وابتلاءك رفعة، واصرف عن قلوبنا التعلق بما لم تكتبه لنا، واجعلنا ممن إذا أُعطي شكر، وإذا مُنع رضي، وإذا ابتلي احتسب.

اللهم يا من لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، واختر لنا ولا تخيرنا، فإنك تعلم ولا نعلم، وأنت علام الغيوب.

اللهم اجعلنا ممن يرون الخير في الفقد كما يرونه في العطاء، وممن يقولون عند البلاء: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرًا منها.



tg-me.com/ZADI2/54538
Create:
Last Update:

فإن من أعظم أبواب السكينة، وأجلِّ أسباب الطمأنينة: الرضا بحكمة الله، لا سيما في الفقد والمنع، حين تُغلق أبواب، وتُطوى صفحات، وتضيق الدنيا بما رحبت، فيرتفع صوت القرآن في قلب المؤمن: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا۟ بِمَآ ءَاتَىٰكُمْ﴾ [الحديد: 23].

■ عباد الله، إن التأمل في الواقع والتاريخ يُورِثُ المؤمنَ يقينا بأن الله لا يمنع عبده إلا ليعطيه، ولا يحرمه إلا ليُكرمه، ولا يُغلق بابا إلا ليفتح له أبوابا.
انظروا إلى سيرة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: حين حُرِم من دخول مكة في صلح الحديبية، وظن الصحابة أن هذا الصلح فيه ذلٌّ وانكسار، فإذا به فتحٌ مبين. قال تعالى:
﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًۭا﴾ [الفتح: 1].
قال ابن القيم: "كم في المنع من المنح، وفي البلاء من العطاء؛ ولكن القلوب الغافلة لا تُبصر". [الفوائد ص: 140].

وهذا يوسف عليه السلام: بيع عبدا، وأُلقي في غيابة الجب، وسُجن ظلما، حتى ظن الناس أن كل الأبواب أُغلقت عليه، فإذا به يخرج عزيزا لمصر، يُقال له: ﴿ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلْأَرْضِ﴾ [يوسف: 55].
فسبحان من جعل السجن طريقا إلى المُلك!
وقد حكى أحد الصالحين فقال: "كُنتُ أتمنى الزواج بفلانة، وسعيتُ إليها، فمنعني الله. فجزعت، ثم رزقني الله بعدها بامرأة كانت لي سكنا وعونا في الدين والدنيا، فحمدت الله أن لم يُجب دعائي يوم دعوت".
وكم من عبدٍ ظن أن الفقد نقمة، ثم بمرور الأيام، تبين له أنه أعظم نعمة.
قال الشاعر:
رُبَّ أمرٍ تَنامُ عَينُكَ عنه
وفي طيّاتِهِ نَجاةُ الحيَاةِ
فَلَو كُشِفَ الغيبُ للعبدِ يومًا
لاختارَ ما اختارَهُ مولاهُ

■ إخوة الإيمان، إن الاستعداد لقبول أقدار الله يبدأ من تنمية الإيمان بالقدر. وهو ركنٌ عظيم لا يكتمل إيمان العبد إلا به، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أن تؤمن بالقدر خيره وشره» [رواه مسلم: 8].
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "ما من قضاءٍ يمرّ بي إلا رأيتُ لله فيه نعمةً لا أستطيع عدّها، إمّا في رفعي أو تطهيري أو تنبيهي أو كفِّي عن الدنيا".
ثم بعد الإيمان، التركيز على العمل دون التعلق بالنتائج؛ فإنك مأمور بالسعي، لا بامتلاك الثمرة. قال تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ﴾ [النجم: 39].
وما عدا ذلك: فليس لك، فلا تَحزَن عليه.
واغرس في قلبك هذا اليقين:
أن ما عند الله خير مما نريد، وأننا لا نعلم، وهو يعلم، ولا نُدرك، وهو يُدبر، ولا نُحسن الاختيار، وهو الحكيم العليم.
قال ابن الجوزي: "واللهِ، لو كشف الله الغيب لعبده، لما اختار لنفسه إلا ما اختاره الله له".
دَعِ الأقدارَ تجري في أعِنَّتِها
ولا تَبِتْنَّ إلا خاليَ البالِ
ما بين غَمضةِ عينٍ وانتباهتِها
يُغيّرُ اللهُ من حالٍ إلى حالِ

■ يا عبد الله، إن منعك إنما هو لحكمة، وإن أعطاك فبفضله، فكن عبدا لله في الحالين، وارضَ بما قسمه الله لك، تكن أغنى الناس.

افتح قلبك لحياة إيمانية متزنة؛ ترى الخير في كل حال، ترى العطاء في المنع، والرحمة في البلاء، والتوفيق في الفقد؛ فإن الله أرحم بك من نفسك، وأعلم بحالك منك.

اللهم ارزقنا الرضا بقضائك، والتسليم لأمرك، وحسن الظن بك في كل حين.
اللهم اجعل قلوبنا مطمئنة بذكرك، راضية بحكمتك، ساكنة في قدرك.

هذا، وصلّوا وسلّموا على من علّمنا الرضا، وقدوة المحتسبين، محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ ۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم إنا نسألك قلبا راضيا بقضائك، شاكرا لنعمائك، صابرا على بلائك، مطمئنا بتدبيرك، لا يجزع في الشدة، ولا يبطر في الرخاء.

اللهم ارزقنا الإيمان بحكمتك، والرضا بقدرك، والتسليم لأمرك، والثقة بوعدك، وحسن الظن بك في كل حال.

اللهم اجعل فقدنا رحمة، ومنعك لنا منحة، وابتلاءك رفعة، واصرف عن قلوبنا التعلق بما لم تكتبه لنا، واجعلنا ممن إذا أُعطي شكر، وإذا مُنع رضي، وإذا ابتلي احتسب.

اللهم يا من لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، واختر لنا ولا تخيرنا، فإنك تعلم ولا نعلم، وأنت علام الغيوب.

اللهم اجعلنا ممن يرون الخير في الفقد كما يرونه في العطاء، وممن يقولون عند البلاء: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرًا منها.

BY زاد الخـطــيــب الـــدعـــــوي📚


Warning: Undefined variable $i in /var/www/tg-me/post.php on line 283

Share with your friend now:
tg-me.com/ZADI2/54538

View MORE
Open in Telegram


زاد الخـطــيــب الـــدعـــــوي Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

That growth environment will include rising inflation and interest rates. Those upward shifts naturally accompany healthy growth periods as the demand for resources, products and services rise. Importantly, the Federal Reserve has laid out the rationale for not interfering with that natural growth transition.It's not exactly a fad, but there is a widespread willingness to pay up for a growth story. Classic fundamental analysis takes a back seat. Even negative earnings are ignored. In fact, positive earnings seem to be a limiting measure, producing the question, "Is that all you've got?" The preference is a vision of untold riches when the exciting story plays out as expected.

زاد الخـطــيــب الـــدعـــــوي from us


Telegram زاد الخـطــيــب الـــدعـــــوي📚
FROM USA